**إسبانيا بطلة العالم: رحلة البحث عن انتصار نقي بعد فضيحة هزت أركان اللعبة**
عندما تستعد كتيبة
المنتخب الإسباني للسيدات لخوض غمار بطولة أمم أوروبا 2025، فإنها لا تحمل على
عاتقها آمال أمة بالظفر بلقب قاري فحسب، بل تحمل أيضاً وزر تاريخ مثقل بالجدل،
وسعياً حثيثاً نحو لحظة تتويج نقية، لحظة يمكنهن الاحتفال بها دون أن تطاردها
أشباح الماضي. فبعد مرور عام على انتصارهم التاريخي في كأس العالم 2023، لا يزال
السؤال الأهم يتردد في الأوساط الرياضية والإعلامية: كيف يمكن لهذا الجيل الذهبي
أن يستعيد لحظته المسروقة ويطوي صفحة فضيحة لويس روبياليس التي طغت على أروع إنجاز
في تاريخ كرة القدم النسائية الإسبانية؟
![]() |
**إسبانيا بطلة العالم: رحلة البحث عن انتصار نقي بعد فضيحة هزت أركان اللعبة** |
1. كيف أثرت فضيحة روبياليس على احتفال المنتخب الإسباني بلقب كأس
العالم 2023، ولماذا تشعر اللاعبات بأن لحظتهن التاريخية قد "سُرقت"؟
2. ما هي أبرز التغييرات الإدارية والمهنية التي نجحت اللاعبات في
تحقيقها داخل المنتخب بعد صراعهن الطويل من أجل تحسين ظروف العمل؟
3. لماذا يعتبر قرار المدربة الجديدة مونتسي تومي باستبعاد
اللاعبة جيني إيرموسو من بطولة يورو 2025 مثيراً للجدل ومستمراً للانقسامات
السابقة؟
4. هل يمكن لبطولة يورو 2025 أن تكون فرصة للمنتخب الإسباني
لتحقيق "انتصار نقي"، يعوضهن عن الإنجاز الذي طغت عليه الأحداث خارج
الملعب؟
**تتويج تاريخي ولحظة مسروقة**
في صيف 2023، قدم
المنتخب الإسباني ملحمة كروية في أستراليا ونيوزيلندا، متوجاً أداءه الاستثنائي
برفع كأس العالم لأول مرة. لقد كانت قصة نجاح ملهمة لفريق تغلب على الانقسامات
الداخلية والصراعات مع الاتحاد ليفرض هيمنته على الساحة العالمية بأسلوب لعب فريد،
يعتمد على الاستحواذ والذكاء التكتيكي الذي أصبح علامة مسجلة. لكن ما كان يجب أن
يكون احتفالاً خالصاً تحول في ثوانٍ إلى زلزال مدوٍ.
- خلال مراسم التتويج، أقدم لويس روبياليس، رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم آنذاك، على تقبيل
- النجمة جيني إيرموسو على شفتيها دون رضاها، في مشهد بث على الهواء مباشرة وصدم العالم. لم
- تكن مجرد قبلة، بل كانت تجسيداً صارخاً لثقافة أبوية متجذرة وسوء استخدام للسلطة، طمست الإنجاز
- الرياضي وحولته إلى قضية عالمية تحت وسم #SeAcabó (انتهى
الأمر).
كما كشف الفيلم الوثائقي
"انتهى: القبلة التي غيرت كرة القدم الإسبانية" من إنتاج "نتفليكس"،
فإن شعور اللاعبات بالظلم كان عميقاً. تقول حاملة الكرة الذهبية أيتانا بونماتي
بمرارة: "انتصارنا في كأس العالم طغت عليه تلك القضية، بل وشوهته". وتضيف
القائدة إيفانا أندريس: "لقد سرقوه منا". أما إيرموسو، ضحية الحادثة،
فتلخص المأساة بقولها إن شعورها بأنها "بطلة عالم" لا يدوم سوى لثانية،
لأنها لا تستطيع أن تعيش تلك اللحظة المسلوبة من جديد. لقد تحول أعظم انتصار في
مسيرتهن إلى جرح نفسي عميق.
**جذور الصراع ما قبل فضيحة روبياليس**
لم تكن فضيحة روبياليس
حدثاً معزولاً، بل كانت ذروة صراع طويل الأمد بين اللاعبات والاتحاد. ففي عام 2022،
وقبل كأس العالم، اندلعت أزمة عرفت بـ "لاس 15" (Las 15)،
حيث أعلنت 15 لاعبة من النخبة انسحابهن من المنتخب، احتجاجاً على الظروف غير
الاحترافية تحت قيادة المدرب السابق خورخي فيلدا. طالبن بتحسينات جوهرية في كل شيء:
من أساليب التدريب، إلى السفر، والتغذية، والرعاية النفسية. كن يدركن أن امتلاكهن
للموهبة لا يكفي، وأن تحقيق الإمكانات الكاملة يتطلب بيئة عمل ترتقي إلى مستوى
الاحتراف العالمي.
- قوبلت مطالبهن بالرفض والتجاهل من قبل الاتحاد، الذي دعم فيلدا بشكل كامل. هذا الصراع كشف
- عن فجوة هائلة بين عقلية اللاعبات الطامحات للمجد وعقلية المسؤولين الذين بدوا غير مهتمين بتوفير
- أبسط متطلبات النجاح. ويكفي النظر إلى التناقض الذي أبرزه الوثائقي بين فريق السيدات الذي كان
- يطالب بمجرد مواعيد رحلات مناسبة تضمن لهن قسطاً من الراحة، وبين تقارير عن طلبات قائد
- فريق الرجال السابق سيرجيو راموس الحصول على ساعات فاخرة من روبياليس، لفهم حجم الهوة
- في المعاملة والأولويات.
**رياح التغيير مكاسب تحققت بفضل النضال**
رغم الألم، كانت فضيحة
روبياليس هي القشة التي قصمت ظهر البعير وأجبرت المؤسسة الرياضية الإسبانية على
التغيير. أدت الضغوط الشعبية والدولية إلى استقالة روبياليس وإقالة فيلدا. والأهم
من ذلك، أنها منحت اللاعبات صوتاً ونفوذاً لم يكن لديهن من قبل.
- اليوم، تبدو الأجواء في معسكر المنتخب مختلفة تماماً. الكلمات التي تتردد الآن هي "الهدوء"،
- "الاستقرار"، و"الاحترافية". لقد أثمر نضالهن عن تغييرات ملموسة. تقول النجمة أليكسيا بوتياس:
- "كل شيء تغير جذرياً من حيث الظروف والسفر والتغذية والتدريبات. أصبح لدينا كل ما نحتاج إليه
- لنكن الأفضل. لقد وصل الأمر إلى مستوى فرق الرجال الكبرى".
وتؤكد زميلتها ماريونا كالدينتي: "الأجواء أصبحت أكثر احترافية... يصغون لنا ويسألوننا عما نحتاج إليه". هذا التحول لم يكن منّة من أحد، بل هو نصر حققته اللاعبات بأنفسهن، وهو ربما أعظم من الكأس التي رفعنها.
**ظلال الماضي جدل المدربة الجديدة واستبعاد إيرموسو**
لكن الطريق نحو الصفاء
التام لا يزال وعراً. فتعيين مونتسي تومي، مساعدة فيلدا السابقة، كمدربة جديدة
للمنتخب، أثار جدلاً واسعاً. بالنسبة للكثيرين، كان هذا القرار يمثل استمرارية
للنظام القديم، لا قطيعة معه، خاصة وأن تومي ظهرت في فيديو شهير وهي تصفق
لروبياليس خلال خطابه الذي رفض فيه الاستقالة. شعرت بعض اللاعبات بأنها "باعت
زميلاتها"، وأنها تفتقر إلى الكفاءة التكتيكية اللازمة لقيادة فريق بهذا
الحجم.
- تفاقم الجدل مع قرار تومي المثير للدهشة باستبعاد جيني إيرموسو من قائمة يورو 2025. بررت
- المدربة قرارها بأنه "لأسباب كروية بحتة"، لكن الشكوك حامت حول وجود دوافع أخرى. ردت
- إيرموسو بمنشور لاذع على وسائل التواصل الاجتماعي، انتقدت فيه "الإدارة" التي تفوق قدرات
- البعض، وألمحت إلى أن الفريق قادر على الفوز حتى بدون مدربته. هذا الصدام الجديد أعاد إلى
- الأذهان الانقسامات القديمة، وأثبت أن التركة الثقيلة
للماضي لم تُدفن بالكامل.
**نحو يورو 2025 البحث عن الخلاص على العشب الأخضر**
على الرغم من كل هذه
التحديات، يدخل المنتخب الإسباني يورو 2025 كمرشح أول للقب. فجودة اللاعبات لا
جدال فيها. عودة بعض نجمات "لاس 15" مثل باتري غيخارو وكلوديا بينيا
أضافت عمقاً وقوة للتشكيلة. الفريق يمتلك من الموهبة ما يكفي للتغلب ليس فقط على
خصومه، بل ربما على أي قصور تكتيكي من الجهاز الفني، كما فعل في كأس العالم 2023.
الختام
إن بطولة أوروبا القادمة تمثل فرصة فريدة لهذا الجيل. إنها فرصة لتحقيق نصر رياضي خالص، انتصار لا تشوبه فضيحة ولا يطغى عليه صراع. انتصار يمكنهن من خلاله كتابة فصل جديد ونظيف في تاريخهن، والاحتفال به بكل جوارحهن، واستعادة تلك الفرحة التي سُلبت منهن. تقول ماريونا إن الأجواء في المعسكر الآن "تتمحور حول كرة القدم، فقط كرة القدم".
وهذه هي الرسالة الأقوى. لقد حاربت هؤلاء اللاعبات من أجل حقهن في التركيز على ما
يبرعن فيه. الآن، حان وقت ترجمة هذا النضال إلى مجد جديد على أرض الملعب، مجد
سيكون هذه المرة ملكهن وحدهن، دون منازع.